نام کتاب : نهاية الدراية نویسنده : السيد حسن الصدر جلد : 1 صفحه : 246
ثم إن إطلاق الصحة على تلك الطرق المعينة استعارة لحظت فيها علاقة المشابهة بينها وبين طرق الأخبار الصحيحة في كون رجالها كلها ثقات ، والقرينة فيه واضحة بخلاف قولهم : ( صحيح فلان ) ، و ( صحيحته ) مع كون الطريق ضعيفا ، فإن إطلاق الصحة فيه واقع على مجموع السند المفروض ضعفه ، وذلك تعمية وتلبيس من غير ضرورة . وقوله ( إنهم يقولون كثيرا : روى ابن أبي عمير في الصحيح ) وهم ، وإنما يقال : ( روى الشيخ وغيره في الصحيح عن ابن أبي عمير مثلا ) . وبين الصورتين فرق ظاهر ، فإن إطلاق الصحة على طريق الشيخ إلى ابن أبي عمير نظير إطلاقها في الخلاصة على الطريق إلى الجماعة المجهولين قد وقعت وصفا لذلك القدر المعين من السند ، وأما الصورة التي ذكرها فالصحة وقعت فيها وصفا لمجموع الطريق مع اشتماله على موجب الضعف ، ولو وجد مثله في كلام بعض أوساط المتأخرين فلا شك أنه واقع عن قصور معرفة بحقيقة هذا الاستعمال . وما ذكره أخيرا من نقلهم الاجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيا ليس من هذا الباب في شئ ، فإن القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعا ، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر ، وإن اشتمل طريقه على ضعف ، كما أشرنا إليه سالفا ، فلم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التمييز باصطلاح أو غيره ، فلما اندريت تلك الآثار واستعلت [1] الأسانيد بالاخبار ، اضطر المتأخرون إلى تمييز الخالي من الريب ، وتعيين البعيد عن الشك ، فاصطلحوا على ما قدمنا ببيانه ، ولا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلامة إلا من السيد جمال الدين بن طاوس - رحمه الله - . وإذا أطلقت الصحة في كلام من تقدم فمرادهم منها الثبوت أو الصدق . وقد قوي الوهم في هذا الباب على بعض من عاصرناه من مشايخنا ، فاعتمد في توثيق كثير من المجهولين على صحة الرواية عنهم ، واشتمالها على أحد الجماعة الذين نقلوا الاجماع على تصحيح ما يصح عنهم ، وهم ثمانية عشر رجلا ذكرهم الكشي ، وحكى كلامه في شأنهم جمع من المتأخرين ، وأبان بن عثمان أحد الجماعة .