نام کتاب : مكارم الأخلاق نویسنده : الشيخ الطبرسي جلد : 1 صفحه : 9
ويرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب ، فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عما يصنع بعباده ؟ أتخاف أن تكون في رجائك له كاذبا ، أو تكون لا تراه للرجاء موضعا ؟ وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه فجعل خوفه من العباد نقدا ، وخوفه من خالفه ضمارا [1] ووعدا وكذلك من عظمت الدنيا في عينه وكبر موقعها في قلبه ، آثرها على الله فانقطع إليها وصار عبدا لها ، ولقد كان في رسوله الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كاف لك في الأسوة ودليل على ذم الدنيا وعيبها وكثرة مخازيها ومساويها ، إذ قبضت عنه أطرافها ووطأت لغيره أكنافها وفطم عن رضاعها وزوى عن زخارفها ، وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله إذ يقول : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " والله ما سأله إلا خبزا يأكله ، لأنه كان يأكل بقلة الأرض ، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه ، لهزاله وتشذب [2] لحمه ، وإن شئت ثلثت بداود صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة ، فلقد كان يعمل من سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه : أيكم يكفيني بيعها ويأكل قرص الشعير من ثمنها ، وإن شئت قلت في عيسى بن مريم فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها ، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم ، ولم تكن له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله ، دابته رجلاه وخادمه يداه . فتأس بنبيك الأطيب الأطهر ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاء لمن تعزى وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لاثره ، قضم الدنيا قضما ولم يعرها طرفا ، أهضم أهل الدنيا كشحا [3] وأخمصهم من الدنيا بطنا ، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها ، وعلم أن الله أبغض شيئا فأبغضه وحقر شيئا فحقره ، وصغر شيئا فصغره ، ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله وتعظيمنا ما صغر الله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمر الله .
[1] الضمار الوعد المسوف . [2] الصفاق ككتاب : هو الجلد الأسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر أو جلد البطن وهو المراد ههنا . والتشذب : التفرق . [3] قضم الشئ : كسره بأطراف أسنانه وأكله ، والمراد الزهد في الدنيا والرضا منها بالدون . والهضم : خمص البطن وخلوها . والكشح ، ما بين السرة ووسط الظهر .
نام کتاب : مكارم الأخلاق نویسنده : الشيخ الطبرسي جلد : 1 صفحه : 9