فإذا ظهر بما ذكرناه أن جماعة من الصحابة كانوا يعملون في الشرعيات بالظنون العقلية ، بطل جوابه عن النقض باتفاق الفلاسفة على قدم العالم ، لأنه إذا جاز اتفاق الفلاسفة على الخطأ مع مراعاتهم القواعد المنطقية الحافظة للأذهان ، جاز خطأ أهل السنة العاملين بالاجتهادات الظنية بطريق الأولى . وان سلمنا أنهم لم يعملوا في الشرعيات بالظنون الاجتهادية ، فلا نسلم ظهور التمييز بين القاطع وغيره ، بل الحق أن مع غلبة الهواء قد يشتبه القاطع بغيره والمحكم بالمتشابه ، وحبك للشئ يعمي ويصم ، فيمكن أن يشتبه الأمر على جماعة من المتغلبين ، ثم يشتهر بحيث يحسب من تأخر عنهم أنه مجمع عليه . ويلزم العضدي في هذا المقام أحد أمرين : إما الاقرار ببطلان دليله ، أو الاقرار بأن عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وكل من حارب عليا عليه السلام وعثمان في داره ، وهم أكثر المهاجرين والأنصار ، كانوا مستحقين للعن والبراءة ، لأن الاجماع تحقق على امامتهما باعتراف العضدي وغيره من أهل السنة . وعلى قول العضدي النص القاطع على حجية الاجماع في زمن الصحابة كان واضحا متميزا غير مشتبه . فعلى قول العضدي محاربوا علي وعثمان خالفوا النص الجلي ، ولا ريب أن مخالف النص الجلي مستحق للعن والبراءة ، فلابد له من الاقرار بعدم النص الجلي على حجية الاجماع ، وهو ابطال دليله ، أو الاقرار باستحقاق أكثر الصحابة اللعن والبراءة ، وهو ابطال مذهبه . وأما بيان ضعف جوابه عن النقض باتفاق اليهود والنصارى ، فان ما ذكره من أن اجماع اليهود عن الاتباع لاحاد الأوائل ، يمكن اجراؤه في اجماع أهل السنة ، بأن يقال : ان آحاد أوائلهم أخطأوا ، ثم تبعهم المتأخرون لحسن ظنهم بالأوائل ، بل جريان هذا الاحتمال في اجماع أهل السنة أظهر من وجوه : أحدها : أن اتباع الهوى في أمة نبينا صلى الله عليه وآله أعظم ، لأنهم افترقوا ثلاثة وسبعين فرقة ، زائدا على افتراق أمة موسى وعيسى .