وثانيهما : أن اتفاق اليهود على نقل خبر ، وهو من المحسوس ، وكذا اخبار النصارى عن محسوس ، وهو القتل والصلب ، بخلاف المجمعين من أهل السنة على تخطئة مخالف الاجماع ، فإنهم لم يتفقوا على أمر محسوس ، ولم يجمعوا على نقل خبر ، بل اتفقوا على حكم غير محسوس ، ولا ريب أن الاتفاق على غير المحسوس أولى بالخطأ من الاتفاق على المحسوس . وثالثها : أن اليهود والنصارى كلهم متفقون ولا خلاف فيهم ، بخلاف أمة نبينا ، فإنهم مختلفون في تخطئة مخالف الاجماع ، لأن الشيعة الإمامية مع كثرتهم لم يزالوا مخالفين لأهل السنة ، لأن الاجماع عندهم ليس دليلا منفردا ، بل الدليل عندهم بعد كتاب الله قول المعصومين عليهم السلام ، بل أهل السنة أيضا كلهم لم يقولوا بتخطئة مخالف الاجماع ، لأن النظام من علمائهم خالفهم ، وأحمد الذي أحد أئمتهم نقل عنه العضدي أنه قال : من ادعى الاجماع فهو كاذب ، وتأويل العضدي كلام أحمد ، بأن مراده بهذا القول استبعاد بوجود الاجماع لا انكار ، ظاهر البطلان . وأجاب العضدي عن مخالف الشيعة والنظام والخوارج ، بأنهم قليلون من أهل الأهواء ، نشأوا بعد اتفاق . وضعف كلامه واضح ، لأنه ان سلمنا أن منكري الاجماع قليلون ، فلا يضر القلة ، لأن الله مدح القلة وذم الكثرة ، واثبات كونهم من أهل الأهواء بمخالفة أهل السنة ، موقوف على اثبات حجية الاجماع ، وبعد لم يثبت . ودعوى أنهم نشأوا بعد اتفاق ، مكابرة محض . والوجه الثاني مما تمسك به العضدي على حجية الاجماع ، وهذه عبارته : انهم أجمعوا على أنه يقدم على القاطع ، وأجمعوا على أن غير القاطع لا يقدم على القاطع ، بل القاطع هو المقدم على غيره ، فلو كان غير قاطع لزم تعارض الاجماعين ، وانه محال . انتهى . أقول : هذا الاستدلال أيضا باطل ، لأنه لا نسلم تحقق الاجماع على تقدم الاجماع على القاطع ، لأنه قد بينا في الجواب عن الوجه الأول أن الأمة في حجية