وهل من غضاضة بعد أن يصطلح عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفتنة أن تمنح لقب الفتنة الأولى في دنيا الإسلام . وقد كانت العمليات السياسية يومئذ فتنة من ناحية أخرى ، لأنها فرضت خلافة على أمة لم يقتنع بها إلا القليل [1] من سوقتها الذين ليس لمثلهم الحق في تقرير مصير الحكم في عرف الإسلام ولا في لغة القوانين الدستورية جميعا . تلك هي خلافة الصديق ( رضي الله تعالى عنه ) عندما خرج من السقيفة ( وعمر يهرول بين يديه وقد نبر حتى أزبد شدقاه ) وجماعته تحوطه ( وهم متزرون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى ) [2] . ومعنى هذا أن الحاكمين زفوا إلى المسلمين خلافة لم تباركها السماء ولا رضي بها المسلمون . وأن الصديق لم يستمد سلطانه من نص نبوي - بالضرورة - ولم ينعقد الاجماع عليه ما دام سعد لم يبايع إلى أن مات الخليفة ، وما دام الهاشميون لم يبايعوا إلى ستة أشهر من خلافته - كما في صحيح البخاري [3] . قالوا : إن أهل الحل والعقد قد بايعوه وكفى . ولكن ألا يحتاج هذا المفهوم إلى توضيح وإلى مرجع يرجع إليه في
[1] راجع تاريخ الطبري 2 : 233 . [2] شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 1 : 74 ، الطبعة غير المحققة . ( الشهيد ) [3] صحيح البخاري - فضائل الصحابة باب 35 ص 66 ، وباب 43 ص 83 . ( الشهيد )