يشكون في صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ! أو يرون أنهم أقدر على الاحتياط للاسلام والقضاء على الشغب والهرج من نبي الإسلام ورجله الأول ! وخليق بنا أن نسأل عما عناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفتن التي جاء ذكرها في مناجاته لقبور البقيع في أخريات أيامه إذ يقول : ليهنكم ما أصبحتم فيه قد أقلبت الفتن كقطع الليل المظلم [1] . ولعلك تقول : إنها فتن المرتدين ، وهذا تفسير يقبل على فرض واحد وهو : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتخوف على موتى البقيع من الارتداد ، فأما إذا لم يكن يخشى عليهم من ذلك كما - هو في الواقع - لأنهم على الأكثر من المسلمين الصالحين ، وفيهم الشهداء فلماذا يهنئهم على عدم حضور تلك الأيام ؟ ولا يستقيم في منطق صحيح أن يريد بهذه الفتن المشاغبات الأموية التي قام بها عثمان ومعاوية [2] بعد عقود ثلاثة من ذلك التاريخ تقريبا . وإذن فتلك الفتن التي عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بد أن تكون فتنا حادثة بعده مباشرة ، ولا بد أيضا أن تكون أكثر اتصالا بموتى البقيع لو قدرت لهم الحياة من فتن الردة والمتنبئين . وهي إذن عين الفتنة التي عنتها الزهراء بقولها : ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين .
[1] تاريخ ابن الأثير 2 : 318 دار صادر . ( الشهيد ) [2] راجع : التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم / الشيخ علي ناصف 5 : 310 الهامش 4 ، 5 : 316 الهامش 5 .