مرد ذلك التراجع إلى أنهم رأوا في فوز أبي بكر فوزهم وانتصارهم على أهل المدينة كما ذهب إليه بعض الباحثين ، لأن خلافة أبي بكر كانت في اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكبر الظن أن خبر الخلافة جاءهم مع خبر الوفاة ، بل تعليل القضية في رأيي أن الأمير الأموي عتاب بن أسيد شاء أن يعرف اللون السياسي الذي اتخذته أسرته في تلك الساعة ، فاستخفى وأشاع بذلك الاضطراب حتى إذا عرف ان أبا سفيان قد رضي بعد سخط وانتهى مع الحاكمين إلى نتائج في صالح البيت الأموي [1] ظهر مرة أخرى للناس وأعاد الأمور إلى مجاريها . وعليه فالصلة السياسية بين رجالات الأمويين كانت قائمة في ذلك الحين . وهذا التقدير يفسر لنا القوة التي تكمن وراء أقوال أبي سفيان حينما كان ساخطا على أبي بكر وأصحابه ، إذ قالك إني لأرى عجاجة لا يطفيها إلا الدم ، وقال عن علي والعباس : أما والذي نفسي بيده لأرفعن لهما من أعضادهما [2] . فالأمويون قد كانوا متأهبين للثورة والانقلاب ، وقد عرف علي منهم ذلك بوضوح حينما عرضوا عليه أن يتزعم المعارضة ولكنه عرف أنهم ليسوا من الناس الذين يعتمد على تأييدهم ، وإنما يريدون الوصول إلى أغراضهم عن طريقه ، فرفض طلبهم ، وكان من المنتظر حينئذ أن يشقوا عصا الطاعة إذا رأوا الأحزاب المسلحة تتناحر ، ولم يطمئنوا إلى قدرة الحاكمين على ضما ن مصالحهم ، ومعنى انشقاقهم حينئذ إظهارهم للخروج عن الدين وفصل مكة عن المدينة .
[1] راجع تاريخ الطبري / 2 : 237 ، هدأت ثائرة أبي سفيان بعد أن ولى الخليفة الأول ابنه معاوية . . . فقال : وصلته رحم . [2] تاريخ الطبري 2 : 237 .