وإذن فقد كانت الثورة العلوية في تلك الظروف إعلانا لمعارضة دموية تتبعها معارضات دموية ذات أهواء شتى ، وكان فيها تهيئة لظرف قد يغتنمه المشاغبون ثم المنافقون . ولم تكن ظروف المحنة تسمح لعلي بأن يرفع صوته وحده في وجه الحكم القائم ، بل لتناحرت ثورات شتى ، وتقاتلت مذاهب متعددة الأهداف والأغراض ، ويضيع بذلك الكيان الإسلامي في اللحظة الحرجة التي يجب أن يلتف فيها المسلمون حول قيادة موحدة ، ويركزوا قواهم لصد ما كان يترقب أن تتمخض عنه الظروف الدقيقة من فتن وثورات . إن عليا الذي كان على أتم استعداد لتقديم نفسه قربانا للمبدأ في جميع أدوار حياته [1] منذ أن ولد في البيت الإلهي وإلى أن قتل فيه ، قد ضحى بمقامه الطبيعي ومنصبه الإلهي فهي سبيل المصالح العليا التي جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيا عليها وحارسا لها . ولفقدت بذلك الرسالة المحمدية الكبرى بعض معناها ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أمره ربه بتبليغ دعوته والأنذار برسالته جمع بني عبد المطلب وأعلن عن نبوته بقوله : ( إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به ) . وعن إمامة أخيه بقوله : ( إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ) [2] ومعنى ذلك أن إمامة علي تكملة طبيعية لنبوة
[1] راجع مختصر تاريخ ابن عساكر / ابن منظور 17 : 356 وما بعدها ، الخصائص / النسائي ، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي وغيرهم كثير ، ينقلون لك مواقف ابن أبي طالب منذ الأيام الأولى للرسالة إلى أن توفاه الله تعالى شهيدا في المحراب . [2] تاريخ الطبري 3 : 218 - 219 ، المطبعة الحسينية بمصر - الطبعة الأولى / 1903 ، تفسير الخازن 3 : 371 ، وشرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد - الطبعة القديمة . ( الشهيد )