المقطع الثامن في أسلوب الانتقاء قال الرضي رحمه اللَّه : « وربّما جاء فيما أختاره من ذلك فصول غير متّسقة ، ومحاسن كلم غير منتظمة ، لأنّي أورد النكت واللَّمع ، ولا أقصد التتالي والنسق » . إنّ نظرة خاطفة إلى مؤلَّفات الرضي تكشف عن اهتماماته الأدبية بالتراث الإسلامي ، فإنه قد كتب في مجاز القرآن والمجازات النبويّة ، وبلاغة الإمام علي بن أبي طالب سلسلة مترابطة دفعته إلى ذلك مواهبه التراثية من الأدب العربي وتقدّمه في حلبة الشعر ، وقد عالج الميادين الثلاثة بأسلوبه الخاص ، ومن مزايا هذه الشخصية الواعية أنّه قد شرح أسلوبه في مقدمة كل كتاب ألَّفه ، معلنا من البدء أنّ ما يستهدف إليه : البلاغة بما فيها من المجاز والاستعارة . وهذا أسلوبه في جمع نهج البلاغة ، كما لا يخفى على المتتبع المنصف . وقد تنبّه إلى هذا الأسلوب جمع ممّن درس النهج ، ولعلّ أوّلهم ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة حيث قال قال ما لفظه : « ولكن الرضي رحمه اللَّه يلتقط كلام أمير المؤمنين عليه السّلام التقاطا ، ولا يقف مع الكلام المتوالي ، لأن غرضه ذكر فصاحته عليه السّلام ، ولو اتى بخطبه كلَّها على وجهها لكانت أضعاف كتابه الذي جمعه « انتهى [1] . وأوضح أسلوبه ذلك الشيخ هادي كاشف الغطاء بتفصيل ، قال : « مؤلف النهج لا يروي إلَّا ما يختاره ويصطفيه فيختار الأبلغ فالأبلغ والأفصح فالأصح بحسب ذوقه ومعرفته ، فربما اختار من الخطبة فقرات معدودة ويترك الباقي ، وربما جمع خطبة واحدة من خطب شتى أو من كلمات متفرقة في مواضع متباينة ، وقد صرّح بذلك كلَّه في خطبة كتابه ، فما كان في النهج من هذا القبيل لا يوقف له على مصدر مطابق ، نعم يمكن للمتتبع
[1] شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ومعناه في 2 : 284 .