نعم ، إن هؤلاء كانوا يأتون كل هذا وزيادة ، وقد يحسب السطحيون ان هذا وحده كاف لجعل الانسان فاضلا ، ولكنه في ميزان الامام أضعف الايمان . فهؤلاء الذين كان يتوجه إليهم الامام بكلامه هذا كانوا يصلون ويصومون ، ويحجون البيت . ولكن القبلية كانت تعصف بهم عصفا شديدا . ولكن الأحقاد والمطامع كانت تدفعهم إلى التناكر فيما بينهم ، وكانت تسل من أرواحهم كل خلق إنساني حميد . ولكن سياسة معاوية كانت تستهويهم ، فتحملهم على الخيانة وتحملهم على الرضا بالذلة ، وتحملهم على أن يصيروا عبيدا . ولكنهم كانوا فرديين لا يأبهون للمجتمع ولا يحسبون لآلامه حسابا . كانوا غرباء عن هذه الخلائق . ولذلك لم يرض عنهم الامام ، ولذلك استثارهم إلى العمل للآخرة قبل فوات الفرصة . ولم يكن هذا العمل الذي أراده منهم صلاة ولا صوما ولا حجا ، فتلك أمور كانوا يأتون بها ، ولا يقعدون عنها . لقد كان العمل الذي أراده هو الفضيلة ، هو ان يكون كل منهم خلية اجتماعية حية ، تكدح في سبيل خير المجموع ، هو أن يكونوا أحرارا فلا تستعبدهم الشهوات ، فتحملهم على الانحراف عن الحق ، ولا تستعبدهم الحياة فتحملهم على الرضا بها مسفة حقيرة عارية من كل نبالة رفيعة وهدف عظيم . كان يريدهم أن يحطموا أصنام اللحم التي يعبدونها ، أعني ساداتهم ورؤسائهم ومن له عليهم سلطان ليخلصوا العبادة لله وحده .