أننا حينذاك لا نملك أن نعمل شيئا ، فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل ، ونحن نعلم أن الموت قد يلم بنا في أي لحظة ، فلماذا التسويف ؟ ومن البين أنه عليه السلام لا يدعو إلى ترك الدنيا وإنما يدعو إلى العمل للآخرة . وكأن الامام يدعو إلى الجمع بين الآخرة والدنيا ، فهو لا ينهى عن العمل للدنيا ، وإنما ينهى عن الاستغراق في هذا العمل ، بحيث ينسى الانسان الآخرة ويقفر ضميره من الشعور بالله ، وينقطع ما بينه وبين مجتمعه من أواصر الود والرحمة ، وذلك كله يحول بينه وبين أن يبلغ المثل الاعلى في الاسلام . قال عليه السلام : ( فليعمل العامل منكم في أيام مهله [1] قبل إرهاق أجله [2] ، وفي فراغه قبل أوان شغله ، وفي متنفسه قبل أن يؤخذ بكظمه [3] ، وليمهد لنفسه وقدومه ، وليتزود من دار ضعنه لدار إقامته ) [4] . * * * وما نشك في أن هؤلاء الذين كان الإمام عليه السلام يدعوهم إلى العمل للآخرة قبل فوات الفرصة كانوا قوما يقيمون الصلاة لأوقاتها ، ويصومون رمضان ، ويحجون البيت ، فماذا كان يريد الامام منهم غير هذا ؟
[1] المهل : المهلة والفسحة . [2] إرهاق الاجل : أن يقرب الاجل ، فلا يبقى للمفرط فرصة يتدارك بها ما فاته من العمل . [3] الكظم - بالتحريك - الحلق ، أو مخرج النفس . والاخذ بالكظم كناية عن التضييق عند قرب الاجل أو حلوله . [4] نهج البلاغة ، رقم النص : 84 .