فهذا المجتمع قبلي يدين لرؤسائه بالطاعة المطلقة . وهؤلاء الرؤساء يطمحون إلى مزيد من القوة والسلطان والغنى والمنزلة الاجتماعية ولا يجدون شيئا منها عند الامام بينما هم يجدونها عند معاوية كما يشتهون . ويقول هؤلاء الرؤساء إن حكومة معاوية خير من حكومة علي وهي خير لهم بلا إشكال ، وتسمع القبيلة كلها مقالة زعيمها فتدين بها ، غير واعية أن حكومة معاوية ان كانت خيرا لرؤسائها فحكومة علي خير لها ، وذلك لأن هذه تستن المساواة سياسة لهما بينما تستن تلك سياسة الأثرة ، وهم لا يعون هذا ، لأنهم ينظرون إلى الأمور بالمنظار الذي ينظر به الرؤساء . على هذا النحو كانت سياسة معاوية تؤثر في العراق ، وقد وعى ذلك جماعة من المخلصين للامام فقالوا له : ( يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال ، وفضل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم واستمل من تخاف خلافه من الناس ) [1] . ناظرين إلى ما يصنع معاوية ، ولم يكن رؤساء القبائل العربية في العراق يطمعون بأكثر من هذا ، ولكن الامام أجابهم قائلا : ( أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ؟ والله ما أطور به ما سمر سمير [2] ، وما أم نجم في السماء نجما [3] ، لو كان المال لي لسويت
[1] شرح النهج ، 1 - 182 . [2] ما أطور . : من ( طار يطور حول الشئ ) إذا حام حوله ، أي : ما أمر به ، ولا أقاربه ( ما سمر سمير ) أي مدى الدهر ، وهو مثل . قالوا : السمير هو الدهر . [3] أم : قصد : أي ما قصد نجم نجما .