أفدح الظلم ، في سبيل أن يحصل منهم على مزيد من المال يغذي به أطماع حفنة من رؤساء القبائل العربية يؤلفون جهازه العسكري المتأهب دائما لقمع أي حركة تحررية تقوم بها جماعة من الناس . وقد آتت هذه السياسة أكلها جيدا في العراق . فقد كان رؤساء القبائل في العراق يرون سياسة معاوية فيعجبون بها ، فهي تلبي ما يطمحون إليه من غنى ووجاهة وارتفاع قدر ، بينما هم لا يجدون شيئا من هذا في حكومة الامام . وقد كان المجتمع العراقي قبليا ، فلكل قبيلة رئيسها وأشرافها وتقاليدها وأمجادها . والرجل ذو الروح القبلية - كما يثبت علم الاجتماع - عالمه قبيلته ، فهو ينفعل بانفعالاتها ، ويطمح إلى ما تطمح إليه ، ويعادي من تعادي ، وينظر إلى الأمور من الزاوية التي تنظر منها هذه القبيلة ، وذلك لأنه يخضع للقيم القبلية التي تدين بها هذه القبيلة . وتتركز مشاعر القبيلة كلها في رئيسها ، فالرئيس في المجتمع القبلي هو المهيمن ، والمرجع ، والموجه الأوحدي للقبيلة كلها . فيكفي أن يقول الرئيس كلمة لتصبح قانون القبيلة كلها ، ويكفي أن يتخذ موقفا ليكون موقف القبيلة كلها ، ولا أحسب أن من يتعالون على هذا الأسر يتجاوزون أصابع اليدين كثيرا . هذه هي طبيعة المجتمع القبلي . وقد أثر الاسلام على هذه الطبيعة بلا شك ، ولكن التأثير لم يكن حاسما ، فقد وقعت في الحقب السياسية التي خلفت النبي أخطاء سببت عودة الروح القبلية على أشدها . وإذا عرفنا هذا وسعنا أن نفهم الأثر البعيد الذي كانت تتركه سياسة معاوية في المجتمع العراقي أبان ذلك العهد .