( كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي [1] ، تعركين بالنوازل [2] ، وتركبين بالزلازل [3] ، وإني لاعلم انه ما أراد بك جبار سوءا إلا ابتلاه الله بشاغل ، ورماه بقاتل ) [4] . وقد صدقت الحوادث نبوءته ، فقد تعاقب على الكوفة سلسلة من ولاة الجور ، وأعوان الظلمة ، أذاقوها الصاب وساموها العذاب ، فزياد ابن أبيه ، وعبيد الله ابن زياد ، والحجاج ، ويوسف بن عمرو ، والمغيرة بن شعبة ، وخالد بن عبد الله القسري وأضرابهم . . كلهم أقاموا الحكم في الكوفة على ركام من الجماجم وأنهار من الدماء [5] . * * * وقد تنبأ عليه السلام بتغلب معاوية على الخلافة وسيطرته على الكوفة وأنه سيأمر أهل الكوفة من الشيعة بسب الامام والبراءة منه ، فقال : ( أما انه سيظهر [6] عليكم بعدي رجل رحب
[1] الأديم : الجلد المدبوغ ، والعكاظي نسبة إلى عكاظ - كغراب - وهو سوق كانت تقيمه العرب في صحراء بين نخلة والطائف ، يجتمعون إليه من بداية شهر ذي القعدة ليتعاكظوا ، أي يتفاخروا ، وأكثر ما كان يباع الأديم بتلك السوق فنسب إليها . وقوله : ( تمدين مد الأديم العكاظي ) استعارة لما ينالها من العسف والشدائد ، كأن ما ينزل بها من الظلم يشبه ما ينزل بالجلد حين يراد أن يدبغ من الخبط والدق . [2] تعركين مأخوذ من ( عركتهم الحرب ) إذا مارستهم حتى أتعبتهم ، والنوازل : الشدائد . [3] الزلازل : المزعجات من الخطوب . [4] نهج البلاغة ، رقم النص : 47 . [5] ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة 1 / 286 - 287 . [6] سيظهر : سيغلب .