وبعد أن بين أن الله ابتلى خلقه بهذا لينفي عنهم التكبر والخيلاء ، وبعد أن أمرهم أن يعتبروا بما صار إليه إبليس حين تكبر ، قال : ( فاحذروا عباد الله أن يعديكم بدائه ، وأن يستفزكم بندائه ، وأن يجلب عليكم بخيله ورجله [1] ، فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد [2] ، وأغرق لكم بالنزع الشديد [3] ، ورماكم من مكان قريب ، وقال : ( رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ) [4] قذفا بغيب بعيد ، ورجما بظن غير مصيب ، صدقه أبناء الحمية وإخوان العصبية ، وفرسان الكبر والجاهلية ، حتى إذا انقادت له الجامحة منكم [5] ، واستحكمت الطماعية منه فيكم ، فنجمت الحال من السر الخفي إلى الأمر الجلي [6] ، استفحل سلطانه
[1] أجلب بخيله ، يعني استعان بفرسانه . وأجلب برجله ، يعني استعان بمشاته . [2] فوق السهم : أعده للرمي . [3] أغرق بالنزع : شد وتر قوسه إلى أقصاه ليصيب الهدف إصابة مهلكة . [4] سورة الحجر ، آية 39 . [5] الجامحة : من جمح الفرس ، إذا فر وشرد ، يريد الامام بذلك من عصاه من أصحابه الذين تأثروا بالروح القبلية . [6] نجم : ظهر ، يريد أن العصبية القبلية كانت في أول الأمر مجرد فكرة ، ولكنها بعد أن أثر الشيطان أثره ، تحولت العصبية من مجرد فكرة خفية إلى حقيقية خارجية ظاهرة جلية .