في أوقات الأمان . ولذا فان هذه الغريزة موجودة في جميع الأوقات . وهي في أوقات الخطر تعمل عملها الذي يسرت له وأودعت في الانسان لأجله . وأما في أوقات الأمان فان وجودها يصبح مشكلة خطيرة قد تمتد بآثارها إلى الآخرين من أفراد وجماعات . ففي المجتمعات التي تدين بحضارة لا تجعل للانسان هدفا ساميا في الحياة ، ولا تعلمه إلا أن يبالغ في إرواء شهواته ونزعاته ، تعبر هذه الغريزة عن نفسها في عدوان بعض الافراد على بعض أو عدوان بعض الجماعات على بعض ، لأنها - كغريزة - لابد لها من التعبير عن نفسها ، وحيث لا تقدم لها الحضارة موضوعا للتعبير يصرفها ويحولها عن الافراد ، لابد أن تعبر عن نفسها في هؤلاء الافراد ، وحينئذ ينقلب المجتمع الانساني إلى مجتمع ذئبي تناحري ، ذي غرائز عدوانية ضارية ، تعبر عن نفسها باستمرار . هذه هي الأسباب التي تذهب بروح الاجتماع الانساني وتسبغ عليه مظهرا اجتماعيا مزيفا . وجاء الاسلام والمجتمع الانساني كله في واقع تعس نشأ من أن الحضارات التي كان يدين بها كانت في الغالب حضارات لا تتجاوز بالانسان مدى الحس . وكان المجتمع العربي يعاني الأزمة في أحد مظاهرها ، فقد كان يقوم إلى جانب ما يعانيه من جدب روحي على أساس قبلي . وكان هذان العاملان : الجدب الروحي والروح القبلية يثيران غريزة العدوان أعتى وأضرى ما تكون . وقد عالج الاسلام هذه المشكلة . أولا ، بأن حارب عناصر الفساد والانحلال في الإرث الثقافي المهلهل الذي دعت إليه تلك الحضارات ، وجاء بثقافة جديدة حرية بأن تعيد تكوين الانسان الروحي من جديد ، وجعل للحياة الانسانية هدفا أعلى من إرواء الحس باللذة ، جعل لها الفضيلة هدفا ، وأمر الانسان بالمسير إليه .