responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون    جلد : 1  صفحه : 925


وتوارثنا الوحشة ، وتهكَّمت علينا الرّبوع الصّموت . فانمحت محاسن أجسادنا ، وتنكَّرت معارف صورنا ، وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا . ( الخطبة 219 ، 416 ) فكم أكلت الأرض من عزيز جسد ، وأنيق لون . كان في الدّنيا غذيّ ترف ، وربيب شرف . يتعلَّل بالسّرور في ساعة حزنه ، ويفزع إلى السّلوة إن مصيبة نزلت به . ضنّا بغضارة عيشه ( أي بخلا بطيب عيشه ) ، وشحاحة بلهوه ولعبه فبينا هو يضحك إلى الدّنيا وتضحك إليه ، في ظلّ عيش غفول ، إذ وطئ الدّهر به حسكه ، ونقضت الأيّام قواه ، ونظرت إليه الحتوف من كثب . فخالطه بثّ لا يعرفه ، ونجيّ همّ ما كان يجده .
وتولَّدت فيه فترات علل ، آنس ما كان بصحّته ( أي أصابته العلل حال كونه أشد أنسا بصحته ) ففزع إلى ما كان عوّده الأطبّاء ، من تسكين الحارّ بالقارّ ، وتحريك البارد بالحارّ . فلم يطفئ ببارد إلَّا ثوّر حرارة . ولا حرّك بحارّ إلَّا هيّج برودة . ولا اعتدل بممازج لتلك الطَّبائع إلَّا أمدّ منها كلّ ذات داء . حتّى فتر معلَّله ، وذهل ممرّضه .
وتعايا أهله بصفة دائه ، وخرسوا عن جواب السّائلين عنه . وتنازعوا دونه شجيّ خبر يكتمونه ، فقائل يقول هو لما به ( أي هو هالك مما به ) ، وممّن لهم إياب عافيته ، ومصبّر لهم على فقده . يذكَّرهم أسى ( جمع أسوة ) الماضين من قبله . فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدّنيا ، وترك الأحبّة ، إذ عرض له عارض من غصصه . فتحيّرت نوافذ فطنته ، ويبست رطوبة لسانه . فكم من مهمّ من جوابه عرفه فعيّ عن ردّه ، ودعاء مؤلم بقلبه سمعه فتصامّ عنه من كبير كان يعظَّمه ، أو صغير كان يرحمه . وإنّ للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة ، أو تعتدل على عقول أهل الدّنيا . ( الخطبة 219 ، 419 ) . . . أصبحت أصواتهم هامدة ، ورياحهم راكدة ، وأجسادهم بالية ، وديارهم خالية ، وآثارهم عافية ( أي مندرسة ) . فاستبدلوا بالقصور المشيّدة ، والنّمارق ( الوسائد ) الممهّدة ، الصّخور والأحجار المسنّدة ، والقبور اللَّاطئة الملحدة . الَّتي قد بني على الخراب فناؤها ، وشيّد بالتّراب بناؤها . فمحلَّها مقترب ، وساكنها مغترب . بين أهل محلَّة موحشين ، وأهل فراغ متشاغلين . لا يستأنسون بالأوطان ، ولا يتواصلون تواصل

925

نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون    جلد : 1  صفحه : 925
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست