responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون    جلد : 1  صفحه : 895


ثم يقول ( ع ) : وإن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السّلام ، فلقد كان يتوسّد الحجر ، ويلبس الخشن ، ويأكل الجشب . وكان إدامه الجوع ، وسراجه باللَّيل القمر ، وظلاله في الشّتاء مشارق الأرض ومغاربها ، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم .
ولم تكن له زوجة تفتنه ، ولا ولد يحزنه ، ولا مال يلفته ، ولا طمع يذلَّه . دابّته رجلاه ، وخادمه يداه . فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر - صلَّى اللَّه عليه وآله - فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى ، وعزاء لمن تعزّى . وأحبّ العباد إلى اللَّه المتأسّي بنبيّه ، والمقتصّ لأثره .
قضم الدّنيا قضما ، ولم يعرها طرفا . أهضم أهل الدّنيا كشحا ، وأخمصهم من الدّنيا بطنا . عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها . وعلم أنّ اللَّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه ، وحقر شيئا فحقّره ، وصغّر شيئا فصغّره . ولو لم يكن فينا إلَّا حبّنا ما أبغض اللَّه ورسوله ، وتعظيمنا ما صغّر اللَّه ورسوله ، لكفى به شقاقا للَّه ، ومحادّة عن أمر اللَّه . ( الخطبة 158 ، 283 ) ولقد كان - صلَّى اللَّه عليه وآله - يأكل على الأرض ، ويجلس جلسة العبد ، ويخصف بيده نعله ، ويرقع بيده ثوبه ، ويركب الحمار العاري ، ويردف خلفه ، ويكون السّتر على باب بيته ، فتكون فيه التّصاوير ، فيقول : يا فلانة - لإحدى أزواجه - غيّبيه عنّي فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدّنيا وزخارفها . فأعرض عن الدّنيا بقلبه ، وأمات ذكرها من نفسه ، وأحبّ أن تغيب زينتها عن عينه ، لكيلا يتّخذ منها رياشا ، ولا يعتقدها قرارا ، ولا يرجو فيها مقاما . فأخرجها من النّفس ، وأشخصها عن القلب ، وغيّبها عن البصر . وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه ، وأن يذكر عنده .
ولقد كان في رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله - ما يدلَّك على مساوئ الدّنيا وعيوبها . إذ جاع فيها مع خاصّته ( أي مع تفضله عند ربّه ) ، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته . فلينظر ناظر بعقله ، أكرم اللَّه محمّدا بذلك أم أهانه فإن قال : أهانه ، فقد كذب - واللَّه العظيم - بالإفك العظيم . وإن قال : أكرمه فليعلم أنّ اللَّه قد أهان غيره حيث بسط الدّنيا له ، وزواها عن أقرب النّاس منه . فتأسّى متأسّ بنبيّه ، واقتصّ أثره ، وولج مولجه ، وإلَّا فلا يأمن الهلكة فإنّ اللَّه جعل محمّدا - صلَّى اللَّه عليه وآله - علما

895

نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون    جلد : 1  صفحه : 895
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست