نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون جلد : 1 صفحه : 891
أيّها النّاس ، انظروا إلى الدّنيا نظر الزّاهدين فيها ، الصّادفين عنها . فإنّها واللَّه عمّا قليل تزيل الثّاوي السّاكن ، وتفجع المترف الآمن . لا يرجع ما تولَّى منها فأدبر ، ولا يدرى ما هو آت منها فينتظر . سرورها مشوب بالحزن ، وجلد الرّجال فيها إلى الضّعف والوهن . فلا يغرّنّكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلَّة ما يصحبكم منها . رحم اللَّه امرأ تفكَّر فاعتبر ، واعتبر فأبصر . فكأنّ ما هو كائن من الدّنيا عن قليل لم يكن ، وكأنّ ما هو كائن من الآخرة عمّا قليل لم يزل . وكلّ معدود منقض ، وكلّ متوقّع آت ، وكلّ آت قريب دان . ( الخطبة 101 ، 196 ) أقبلوا على جيفة قد افتضحوا بأكلها ، واصطلحوا على حبّها . ( الخطبة 107 ، 209 ) وقال ( ع ) في ذم الدنيا : أمّا بعد ، فإنّي أحذّركم الدّنيا ، فإنّها حلوة خضرة ، حفّت بالشّهوات ، وتحبّبت بالعاجلة . وراقت بالقليل ، وتحلَّت بالآمال ، وتزيّنت بالغرور . لا تدوم حبرتها ، ولا تؤمن فجعتها . غرّارة ضرّارة ، حائلة زائلة ، نافدة بائدة ، أكَّالة غوّالة . لا تعدوا - إذا تناهت إلى أمنيّة أهل الرّغبة فيها والرّضاء بها - أن تكون كما قال اللَّه تعالى سبحانه * ( كَماءٍ أَنْزَلْناه مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِه نَباتُ الأَرْضِ ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوه الرِّياحُ . وكانَ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ) * . لم يكن امرؤ منها في حيرة إلَّا أعقبته بعدها عبرة . ولم يلق في سرّائها بطنا ، إلَّا منحته من ضرّائها ظهرا . ولم تطَّله فيها ديمة رخاء ، إلَّا هتنت عليه مزنة بلاء . وحريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكَّرة . وإن جانب منها اعذوذب وأحلولى ، أمرّ منها جانب فأوبى لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا ، إلَّا أرهقته من نوائبها تبعا . ولا يمسي منها في جناح أمن ، إلَّا أصبح على قوادم خوف . غرّارة ، غرور ما فيها . فانية ، فان من عليها . لا خير في شيء من أزوادها إلَّا التّقوى . من أقلّ منها استكثر ممّا يؤمنه . ومن استكثر منها استكثر ممّا يوبقه ، وزال عمّا قليل عنه . كم من واثق بها قد فجعته ، وذي طمأنينة إليها قد صرعته . وذي أبهة قد جعلته حقيرا . وذي نخوة قدردّته ذليلا . سلطانها دوّل ( أي متحول ) ، وعيشها رنق ، وعذبها أجاج ، وحلوها صبر ، وغذاؤها سمام ( جمع سم ) ، وأسبابها رمام ( جمع رمة وهي القطعة البالية ) . حيّها بعرض موت ، وصحيحها بعرض سقم . ملكها
891
نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون جلد : 1 صفحه : 891