responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون    جلد : 1  صفحه : 866


قطعوا الدّنيا إلى الآخرة وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنّما اطَّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه ، وحقّقت القيامة عليهم عداتها ، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدّنيا حتّى كأنّهم يرون ما لا يرى النّاس ، ويسمعون ما لا يسمعون . فلو مثّلتهم لعقلك في مقاومهم ( جمع مقام ) المحمودة ، ومجالسهم المشهودة ، وقد نشروا دواوين أعمالهم ، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم ، عن كلّ صغيرة وكبيرة أمروا بها فقصّروا عنها ، أو نهوا عنها ففرّطوا فيها ، وحمّلوا ثقل أوزارهم ظهورهم ، فضعفوا عن الاستقلال بها ، فنشجوا نشيجا ، وتجاوبوا نحيبا ، يعجّون إلى ربّهم من مقام ندم واعتراف - لرأيت أعلام هدى ، ومصابيح دجى ، قد حفّت بهم الملائكة ، وتنزّلت عليهم السّكينة ، وفتحت لهم أبواب السّماء ، وأعدّت لهم مقاعد الكرامات ، في مقعد اطَّلع اللَّه عليهم فيه ، فرضي سعيهم ، وحمد مقامهم . يتنسّمون بدعائه روح التّجاوز ( أي يتوقعون التجاوز بدعائهم له ) ، رهائن فاقة إلى فضله ، وأسارى ذلَّة لعظمته . جرح طول الأسى قلوبهم ، وطول البكاء عيونهم .
لكلّ باب رغبة إلى اللَّه منهم يد قارعة ، يسألون من لا تضيق لديه المنادح ( جمع مندوحة وهي المتسع من الأرض ) ، ولا يخيب عليه الرّاغبون .
فحاسب نفسك لنفسك ، فإنّ غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك . ( الخطبة 220 ، 420 ) واعلموا عباد اللَّه إنّ المتّقين ذهبوا بعاجل الدّنيا وآجل الآخرة . فشاركوا أهل الدّنيا في دنياهم ، ولم يشاركهم أهل الدّنيا في آخرتهم . سكنوا الدّنيا بأفضل ما سكنت .
وأكلوها بأفضل ما أكلت . فحظوا من الدّنيا بما حظي به المترفون ، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبّرون . ثمّ انقلبوا عنها بالزّاد المبلَّغ ، والمتجر الرّابح . أصابوا لذّة زهد الدّنيا في دنياهم ، وتيقّنوا أنّهم جيران اللَّه غدا في آخرتهم . لا تردّ لهم دعوة ، ولا ينقص لهم نصيب من لذّة . ( الخطبة 266 ، 465 ) وقال ( ع ) عن أناس من أهل الشام اتّبعوا معاوية : ويشترون عاجلها بآجل الأبرار المتّقين . ولن يفوز بالخير إلَّا عامله ، ولا يجزى جزاء الشّرّ إلَّا فاعله . ( الخطبة 272 ، 491 ) وإنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى ، لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب

866

نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون    جلد : 1  صفحه : 866
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست