نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون جلد : 1 صفحه : 864
يسّرها لهم ربّهم . أرادتهم الدّنيا فلم يريدوها ، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها . أمّا اللَّيل فصافّون أقدامهم ، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلا . يحزّنون به أنفسهم ، ويستثيرون به دواء دائهم . فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ، وتطلَّعت نفوسهم إليها شوقا ، وظنّوا أنّها نصب أعينهم . وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم ، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم . فهم حانون على أوساطهم ، مفترشون لجباههم وأكفّهم وركبهم ، وأطراف أقدامهم ، يطلبون إلى اللَّه تعالى في فكاك رقابهم . وأمّا النّهار فحلماء علماء أبرار أتقياء . قد براهم الخوف بري القداح ( أي السهام ) . ينظر إليهم النّاظر فيحسبهم مرضى ، وما بالقوم من مرض ، ويقول : لقد خولطوا ( أي اختل عقلهم من خوف اللَّه ) . ولقد خالطهم أمر عظيم . لا يرضون من أعمالهم القليل ، ولا يستكثرون الكثير . فهم لأنفسهم متّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون . إذا زكَّي أحد منهم خاف ممّا يقال له ، فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربّي أعلم بي منّي بنفسي اللَّهمّ لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني أفضل ممّا يظنّون ، واغفر لي ما لا يعلمون فمن علامة أحدهم أنّك ترى له قوّة في دين ، وحزما في لين ، وإيمانا في يقين . وحرصا في علم ، وعلما في حلم . وقصدا في غنى ، وخشوعا في عبادة . وتجمّلا في فاقة ، وصبرا في شدّة . وطلبا في حلال ، ونشاطا في هدى ، وتحرّجا عن طمع . يعمل الأعمال الصّالحة وهو على وجل . يمسي وهمّه الشّكر ، ويصبح وهمّه الذّكر . يبيت حذرا ويصبح فرحا ، حذرا لمّا حذّر من الغفلة ، وفرحا بما أصاب من الفضل والرّحمة . إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحبّ . قرّة عينه فيما لا يزول ، وزهادته فيما لا يبقى . يمزج الحلم بالعلم ، والقول بالعمل . تراه قريبا أمله ، قليلا زلله . خاشعا قلبه ، قانعة نفسه . منزورا ( أي قليلا ) أكله ، سهلا أمره . حريزا دينه ، ميّتة شهوته ، مكظوما غيظه . الخير منه مأمول ، والشّرّ منه مأمون . إن كان في الغافلين كتب في الذّاكرين ، وإن كان في الذّاكرين لم يكتب من الغافلين . يعفو عمّن ظلمه ، ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه . بعيدا فحشه ( الفحش : القبيح من
864
نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون جلد : 1 صفحه : 864