نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون جلد : 1 صفحه : 839
واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات ، بسوء الأفعال وذميم الأعمال . فتذكَّروا في الخير والشّرّ أحوالهم ، واحذروا أن تكونوا أمثالهم . فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم ، فالزموا كلّ أمر لزمت العزّة به شأنهم ، وزاحت الأعداء له عنهم ، ومدّت العافية به عليهم ، وانقادت النّعمة له معهم ، ووصلت الكرامة عليه حبلهم ، من الاجتناب للفرقة ، واللَّزوم للألفة ، والتّحاضّ عليها والتّواصي بها . واجتنبوا كلّ أمر كسر فقرتهم ، وأوهن منّتهم . من تضاغن القلوب وتشاحن الصّدور ، وتدابر النّفوس وتخاذّل الأيدي . وتدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم ، كيف كانوا في حال التّمحيص والبلاء . ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء ، وأجهد العباد بلاء ، وأضيق أهل الدّنيا حالا اتّخذتهم الفراعنة عبيدا ، فساموهم سوء العذاب ، وجرّعوهم المرار ، فلم تبرح الحال بهم في ذلّ الهلكة وقهر الغلبة . لا يجدون حيلة في امتناع ، ولا سبيلا إلى دفاع . حتّى إذا رأى اللَّه سبحانه جدّ الصّبر منهم على الأذى في محبّته ، والاحتمال للمكروه من خوفه ، جعل لهم من مضايق البلاء فرجا . فأبدلهم العزّ مكان الذّلّ ، والأمن مكان الخوف ، فصاروا ملوكا حكَّاما . وأئمّة أعلاما . وقد بلغت الكرامة من اللَّه لهم ، ما لم تذهب الآمال إليه بهم . فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء ( جمع ملأ ) مجتمعة ، والأهواء مؤتلفة ، والقلوب معتدلة . والأيدي مترادفة ، والسّيوف متناصرة . والبصائر نافذة ، والعزائم واحدة . ألم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين ، وملوكا على رقاب العالمين . فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم ، حين وقعت الفرقة ، وتشتّتت الألفة . واختلفت الكلمة والأفئدة . وتشعّبوا مختلفين ، وتفرّقوا متحازبين . قد خلع اللَّه عنهم لباس كرامته ، وسلبهم غضارة نعمته . وبقي قصص أخبارهم فيكم عبرا للمعتبرين . فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحق وبني إسرائيل عليهم السّلام . فما أشدّ اعتدال الأحوال ، وأقرب اشتباه الأمثال . تأمّلوا أمرهم في حال تشتّتهم وتفرّقهم ، ليالي كانت الأكاسرة والقياصرة أربابا لهم . يحتازونهم عن ريف الآفاق ، وبحر العراق ، وخضرة الدّنيا . إلى منابت الشّيح ،
839
نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون جلد : 1 صفحه : 839