نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون جلد : 1 صفحه : 83
فما دلَّك القرآن عليه من صفته فائتمّ به ، واستضيء بنور هدايته ، وما كلَّفك الشّيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه ، ولا في سنّة النّبيّ - صلَّى اللَّه عليه وآله - وأئمّة الهدى أثره ، فكل علمه إلى اللَّه سبحانه ، فإنّ ذلك منتهى حقّ اللَّه عليك . واعلم أنّ الرّاسخين في العلم هم الَّذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح اللَّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمّى تركهم التّعمّق فيما لم يكلَّفهم البحث عن كنهه رسوخا . فاقتصر على ذلك ، ولا تقدّر عظمة اللَّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين . هو القادر الَّذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته ، وحاول الفكر المبرّأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته ، وتولَّهت القلوب إليه لتجري في كيفيّة صفاته ، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصّفات ، لتناول علم ذاته ، ردعها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب ، متخلَّصة إليه سبحانه ، فرجعت إذ جبهت معترفة ، بأنّه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته ، ولا تخطر ببال أولي الرّويّات خاطرة من تقدير جلال عزّته . الَّذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، ولا مقدار احتذى عليه ، من خالق معبود كان قبله . ( الخطبة 89 ، 1 ، 161 ) فأشهد أنّ من شبّهك بتباين أعضاء خلقك ، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك ، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك ، ولم يباشر قلبه اليقين بأنّه لا ندّ لك ، وكأنّه لم يسمع تبرّؤ التّابعين من المتبوعين إذ يقولون : * ( تَالله إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ) * كذب العادلون بك ، إذ شبّهوك بأصنامهم ، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم ، وجزّؤوك تجزئة المجسّمات بخواطرهم ، وقدّروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم . وأشهد أنّ من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك ، والعادل بك كافر بما تنزّلت به محكمات آياتك ، ونطقت عنه شواهد حجج بيّناتك وإنّك أنت اللَّه الَّذي لم تتناه في العقول ، فتكون في مهبّ فكرها مكيّفا ، ولا في رويّات خواطرها فتكون محدودا مصرّفا . ( الخطبة 89 ، 1 ، 163 )
83
نام کتاب : تصنيف نهج البلاغة نویسنده : لبيب بيضون جلد : 1 صفحه : 83