وآلِهِ وسلم - يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ ، ويَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ ، ويَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ ، ويَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ ، ويَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ ، ويُرْدِفُ خَلْفَهُ ، ويَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ : « يَا فُلَانَةُ - لإِحْدَى أَزْوَاجِهِ - غَيِّبِيهِ عَنِّي ، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وزَخَارِفَهَا » . فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ ، وأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ ، وأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ ، لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً ، ولَا يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً ، ولَا يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً ، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ ، وأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ ، وغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ . وكَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ ، وأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ .ولَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ - مَا يَدُلُّكُ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وعُيُوبِهَا : إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ ، وزُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ . فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ : أَكْرَمَ اللَّهُ مُحَمَّداً بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ : أَهَانَهُ ، فَقَدْ كَذَبَ - واللَّهِ الْعَظِيمِ - بِالإِفْكِ الْعَظِيمِ ، وإِنْ قَالَ : أَكْرَمَهُ ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهً قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ ، وزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ ، فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ ، واقْتَصَّ أَثَرَهُ ، ووَلَجَ مَوْلِجَهُ ، وإِلَّا فَلَا يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ ، فَإِنَّ اللَّهً جَعَلَ مُحَمَّداً - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ - عَلَماً لِلسَّاعَةِ ، ومُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ ، ومُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ . خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصاً ،