ووَرَدَ الآْخِرَةَ سَلِيماً . لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ ، وأَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ . فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ ، وقَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ واللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا . ولَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ : أَلَا تَنْبِذُهَا عَنْكَ فَقُلْتُ : اغْرُبْ عَنِّي ، فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى « خطبة » 165 / 164 فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا ولَذَّاتِهَا ، وزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا ، ولَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ .« خطبة » 161 / 160 ووَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وانْقِطَاعَهَا ، وزَوَالَهَا وانْتِقَالَهَا . فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا . أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، وأَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ فَغُضُّوا عَنْكُمْ - عِبَادَ اللَّهِ - غُمُومَهَا وأَشْغَالَهَا ، لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وتَصَرُّفِ حَالَاتِهَا . فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ ، والْمُجِدِّ الْكَادِحِ . واعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ : قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ ، وزَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وأَسْمَاعُهُمْ ، وذَهَبَ شَرَفُهُمْ وعِزُّهُمْ ، وانْقَطَعَ سُرُورُهُمْ ونَعِيمُهُمْ