دَاعِياً ، ولَا يَمْنَعُونَ ضَيْماً ، ولَا يُبَالُونَ مَنْدَبَةً . إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا ، وإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا . جَمِيعٌ وهُمْ آحَادٌ ، وجِيرَةٌ وهُمْ أَبْعَادٌ . مُتَدَانُونَ لَا يَتَزَاوَرُونَ ، وقَرِيبُونَ لَا يَتَقَارَبُونَ . حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ ، وجُهَلَاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ . لَا يُخْشَى فَجْعُهُمْ ، ولَا يُرْجَى دَفْعُهُمْ ، اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الأَرْضِ بَطْناً ، وبِالسَّعَةِ ضِيقاً ، وبِالأَهْلِ غُرْبَةً ، وبِالنُّورِ ظُلْمَةً فَجَاءُوهَا كَمَا فَارَقُوهَا ، حُفَاةً عُرَاةً ، قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ والدَّارِ الْبَاقِيَةِ ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى : « كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ، وَعْداً عَلَيْنا ، إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ » .« خطبة » 113 / 112 في ذم الدنيا وأُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ ، ولَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ .قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا ، وغَرَّتْ بِزِينَتِهَا . دَارُهَا هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا ، فَخَلَطَ حَلَالَهَا بِحَرَامِهَا ، وخَيْرَهَا بِشَرِّهَا ، وحَيَاتَهَا بِمَوْتِهَا ، وحُلْوَهَا بِمُرِّهَا .لَمْ يُصْفِهَا اللَّهُ تَعَالَى لأَوْلِيَائِهِ ، ولَمْ يَضِنَّ بِهَا عَلَى أَعْدَائِهِ . خَيْرُهَا زَهِيدٌ وشَرُّهَا عَتِيدٌ . وجَمْعُهَا يَنْفَدُ ، ومُلْكُهَا يُسْلَبُ ، وعَامِرُهَا يَخْرَبُ ، فَمَا خَيْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ ، وعُمُرٍ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ الزَّادِ ، ومُدَّةٍ تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السَّيْرِ اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِكُمْ ، واسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ مَا سَأَلَكُمْ .