غُيُوبِ مَلَكُوتِهِ ، وتَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ لِتَجْرِيَ فِي كَيْفِيَّةِ صِفَاتِهِ ، وغَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فِي حَيْثُ لَا تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَاوُلِ عِلْمِ ذَاتِهِ ، رَدَعَهَا وهِيَ تَجُوبُ مَهَاوِيَ سُدَفِ الْغُيُوبِ إِلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا يُنَالُ بِجَوْرِ الِاعْتِسَافِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ .وأَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ ، وعَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ ، واعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهَا بِمِسَاكِ قُوَّتِهِ ، مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ ، فَظَهَرَتِ الْبَدَائِعُ الَّتِي أَحْدَثَتْهَا آثَارُ صَنْعَتِهِ ، وأَعْلَامُ حِكْمَتِهِ ، فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ ودَلِيلاً عَلَيْهِ وإِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً ، فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِيرِ نَاطِقَةٌ ، ودَلَالَتُهُ عَلَى الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ .قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ ، ودَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ ، ووَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ ، ولَمْ يَقْصُرْ دُونَ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَايَتِهِ ، ولَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ ، فَكَيْفَ وإِنَّمَا صَدَرَتِ الأُمُورُ عَنْ مَشِيئَتِهِ الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الأَشْيَاءِ بِلَا رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا ، ولَا قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ أَضْمَرَ عَلَيْهَا ، ولَا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ .لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ الْمُبْطِئِ ، ولَا أَنَاةُ الْمُتَلَكِّئِ ،