عاملا إلا من جعله محتاجا ؟ ومن جعله محتاجا من ضربه بالحاجة ؟ [1] . ومن ضربه بالحاجة إلا من توكل بتقويمه ؟ [2] ومن خصه بالفهم إلا من أوجب الجزاء ؟ ومن وهب الحيلة إلا من ملكه الحول [3] ومن ملكه الحول إلا من ألزمه الحجة ؟ ومن يكفيه ما لا تبلغه حيلته إلا من يبلغ مدى شكره . فكر وتدبر ما وصفته . هل تجد الاهمال يأتي مثل هذا النظام والترتيب تبارك الله تعالى عما يصفون . ( الفؤاد وثقبه المتصلة بالرئة ) أصف لك الآن يا مفضل الفؤاد . . . إعلم أن فيه ثقبا موجهة نحو الثقب التي في الرئة تروح عن الفؤاد ، حتى لو اختلفت تلك الثقب وتزايل بعضها عن بعض ، لما وصل الروح إلى الفؤاد ، ولهلك الإنسان أفيستجيز ذو فكرة وروية أن يزعم مثل هذا يكون بالإهمال ، ولا يجد شاهدا من نفسه يزعه [4] عن هذا القول ؟ لو رأيت فردا من مصراعين فيه كلوب [5] أكنت تتوهم أنه جعل كذلك بلا معنى ؟ بل كنت تعلم ضرورة أنه مصنوع يلقى فردا آخر ، فيبرزه ليكون اجتماعهما ضرب من المصلحة . وهكذا تجد الذكر من الحيوان ، كأنه فرد من زوج مهيأ من فرد أنثى ، فيلتقيان فيه من دوام النسل وبقائه ، فتبا [6] وخيبة وتعسا لمنتحلي الفلسفة كيف عميت قلوبهم عن هذه
[1] أي سبب له أسباب الاحتجاج أو خلقه بحيث يحتاج . [2] أي تكفل برفع حاجته وتقويم أوده . [3] الحول مصدر بمعنى القدرة والقوة على التصرف وجودة النظر والحذق . [4] يزعه : يكفه ويمنعه . [5] الكلوب - بفتح الأول - وتشديد الثاني - المهماز أو حديدة معطوفة الرأس يجر بها الجمر أو خشبة في رأسها عقافة منها أو من حديد والجمع كلاليب . [6] تبا لفلان تنصبه على المصدر بإضمار فعل أي ألزمه الله هلاكا وخسرانا .