وأردت أن يسوغ لي التمثل في الافتخار به ( ع ) ، بقول الفرزدق < شعر > أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع < / شعر > ورأيت كلامه ( ع ) يدور على أقطاب [1] ثلاثة ، أولها الخطب والأوامر ، وثانيها الكتب والرسائل ، وثالثها الحكم والمواعظ ، فأجمعت [2] بتوفيق الله تعالى على الابتداء ، باختيار محاسن الخطب ثم محاسن الكتب ، ثم محاسن الحكم والأدب ، مفردا لكل صنف من ذلك بابا ومفصلا فيه أوراقا ، لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه ، يشذ عني عاجلا ويقع إلي آجلا ، وإذا جاء شيء من كلامه ( ع ) الخارج في أثناء حوار ، أو جواب سؤال ، أو غرض آخر من الأغراض في غير الأنحاء التي ذكرتها ، وقررت القاعدة عليها ، نسبته إلى أليق الأبواب به وأشدها ملامحة [3] لغرضه ، وربما جاء فيما أختاره من ذلك فصول غير متسقة [4] ، ومحاسن كلم غير منتظمة ، لأني أورد النكت واللمع [5] ، ولا أقصد التتالي والنسق [6] . ومن عجائبه ( ع ) التي انفرد بها ، وأمن المشاركة فيها ، أن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ ، والتذكير والزواجر ، إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المتفكر ، وخلع من قلبه أنه كلام مثله ، ممن عظم قدره ونفذ أمره ، وأحاط بالرقاب ملكه ، لم يعترضه الشك ، في أنه كلام من لاحظ له في غير الزهادة ، ولا شغل له بغير العبادة ، قد قبع [7] في كسر بيت [8] أو انقطع إلى سفح جبل [9] ، لا يسمع إلا حسه ولا يرى إلا نفسه ، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب ، مصلتا سيفه [10] فيقط الرقاب [11] ويجدل الأبطال [12] ، ويعود
[1] أقطاب : أصول . [2] أجمع عليه : عزم . [3] الملاحمة : الإبصار والنظر ، والمراد هنا المناسبة والمشابهة . [4] المتسق : المنتطم يتلو بعضه بعضاً . [5] النكت : الآثار التي يتميز بها الشيء ، واللمع : الآثار المميزة للأشياء بإضاءتها وبريقها . [6] النسق : التتابع والتتالي . [7] قبع القنفذ ، كمنع : أدخل رأسه في جلده ، والرجل أدخل رأسه في قميصه ، أراد منه : انزوى . [8] كسر البيت : جانب الخباء . [9] سفح الجبل : أسفله وجوانبه . [10] أصلت سيفه : جرده من غمده . [11] يقط الرقاب : يقطعها عرضاً . فإن القطع طولا قيل : يقد . [12] يجدل الأبطال : يلقيهم على الجدالة كسحابة : وهي وجه الأرض .