هم أعلم خلقك بك ، وأخوفهم لك ، وأقربهم منك . لم يسكنوا الأصلاب ، ولم يضمنوا الأرحام ، ولم يخلقوا من ماء مهين ( 1 ) ، ولم يشعبهم ريب المنون ( 2 ) . وإنهم على مكانهم منك ، ومنزلتهم عندك ، واستجماع أهوائهم فيك ، وكثرة طاعتهم لك ، وقلة غفلتهم عن أمرك ، لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك لحقروا أعمالهم ، ولزروا على أنفسهم ( 3 ) . ولعرفوا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك ، ولم يطيعوك حق طاعتك . سبحانك خالقا ومعبودا بحسن بلائك عند خلقك ( 4 ) . خلقت دارا وجعلت فيها مأدبة ( 5 ) : مشربا ومطعما وأزواجا وخدما وقصورا وأنهارا وزروعا وثمارا . ثم أرسلت داعيا يدعو إليها . فلا الداعي أجابوا ، ولا فيما رغبت رغبوا ، ولا إلى ما شوقت إليه اشتاقوا . أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها ، واصطلحوا على حبها ، ومن عشق شيئا أعشى بصره ( 6 ) ، وأمرض قلبه . فهو ينظر بعين غير صحيحة ،