وحقيقة ربوبيّته ، لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الأبصار ، ولا يحيط به مقدار ، عجزت دونه العبارة ، وكلّت دونه الأبصار ، وضلّ فيه تصاريف الصفات ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، عرف بغير روية ، ووصف بغير صورة ، ونعت بغير جسم ، لا إله إلاّ الله الكبير المتعال » * الشرح : أبتدأ باسمه الحميد مقتدياً بالسلف وبالقرآن المجيد ومعتمداً بما قاله سيّد البشر « كلّ أمر ذي بال لم يبدء فيه باسم الله فهو أبتر » وفي ذكر الاسم إيماء إلى أنّ المراد بهذه الأسماء الشريفة المسمّيات وأنّ الاستعانة في الاستفاضة وقعت بأسمائها ، لأنّ لتلك الأسماء من الشرف والكمال ما لا يعرف قدره الغوَّاصون في بحار آثارها والوصّافون بشرح منافعها وأسرارها ، على أنّ الاستعانة بالاسم تدلُّ على الاستعانة بالمسمّى قطعاً دون العكس ، وإنّما خصّ هذه الأسماء بالذكر لأنّها أصل لأُصول الفيض عاجلا وآجلا . ومبدئاً بحصول الرّجاء ظاهراً وباطناً . ( الحمد لله ) اختلفوا في تحديد الحمد والأحسن ما ذهب إليه بعض المحقّقين من الصوفيّة ومال إليه المحقّق الشريف العلاّمة الدواني ، وهو أنّ الحمد إظهار صفات الكمال بالقول أو بالفعل ، والثاني أقوى من الأوّل ; لأنّ الأفعال الّتي هي آثار السخاوة مثلا تدلّ عليها دلالة عقليّة قطعيّة لا يتصوّر فيها التخلّف بخلاف الأقوال فانَّ دلالتها عليها وضعية وقد يتخلّف عنها مدلولها ، وعلى هذا كان حمده تعالى على ذاته حمداً على سبيل الحقيقة ، بل هو من أفضل أفراده لأنّه تعالى كشف عن صفات كماله ببسط بساط الوجود على ممكنات لا تحصى ، ووضع عليها موائد كرمه التي لا تتناهى ، إذ كلّ ذرَّة من ذرات الوجود تدلّ عليها ، ولا يتصوّر في العبارات مثل هذه الدّلالات . وما اشتهر من أنّ الحمد في اللّغة الثناء باللّسان على الجميل ، وفي العرف أعمّ منه ومن عقد الجنان وفعل الأركان ، فهو باعتبار أنّ هذه الأُمور من الأفراد الشايعة لذلك المفهوم ، لا أنّ الحمد مختصٌّ بها كما فهمه الأكثر وحكموا بأنّ حمده تعالى على ذاته مجاز ، واللام في « الحمد » للجنس أو الاستغراق وفي « لله » للاختصاص يعني أنّ جنس الحمد أو جميع أفراده مختصّ به سبحانه وبينهما تلازم ، وصحّ ذلك لأنّه تعالى مبدء كلِّ كمال ومرجع كلّ جلال . ( المحمود بنعمته ) للحمد أركان أربعة : الحامد ، والمحمود ، والمحمود به والمحمود عليه . والأوّلان قد يتّحدان بالذّات كحمده تعالى على ذاته ، وقد يتغايران كحمدنا له تعالى ، وكذا الأخيران كحمده تعالى بالنعمة لأجلها . وحمده بالعلم لأجل إنعامه . إذا عرفت هذا فنقول : النعمة في قوله : « بنعمته » إمّا محمود عليها إن كانت الباء سبباً للحمد أو محمود بها إن كانت صلة له ، ولا يلزم من