قد أتيحت هنا للنّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرصة استثنائيّة في تعيين الخليفة بعده وهي من وجوه :
1 - إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعلم عداوة منافقي أُمّته لعلي المرتضى ( عليه السلام ) الذي سينصبه - رسماً - خليفته بعده على أُمّته ، ولذلك قد سأل من ربّه تعالى العصمة من النّاس في ذلك ، وقد أوتي سؤله فيه .
2 - إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأُمّته سينزلون « غدير خمّ » وهو موضع افتراق القبائل وفراق الشعوب ، وهذا الموضع أفضل مكان للإشعار بخلافته كي يذهبوا بهذا النبأ العظيم إلى بلادهم .
3 - إنّ ذلك الموضع فيه غدير ودوحات عظام ومحلّ تنزّه ، فيليق بأن يكون واعياً لهذا المشروع المهمّ ، قال الفاكهي : وكان النّاس يأتون خمّاً في الجاهليّة والإسلام في الدهر الأوّل ، يتنزّهون به ويكونون فيه [1] .
ولعلّ في انتخاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك الموضع من جهة نزاهته إشارة إلى أنّ ماء ذلك الغدير هو ماء الحياة الذي أعطته ولايةُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) حياتَه ، وتلك الدوحات العظام مثيل شجرة ولايته الطيّبة التي ( أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِين بِإذْنِ رَبِّها ) [2] .
ثمّ إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد الوصول إلى تلك المنطقة المتنزّهة استوقف النّاس وتأهّب على إبلاغ رسالة ربّه في نصب وصيّه وخليفته والإدلاء به ؛ ونودي بعد ذلك : الصلاة جامعة ، فأذّن ، فأقام بذلك المجتمع العظيم الصّلاةَ - وأيّة صلاة هي ، ويا لها من عظمة - صلاّها النّبيّ الأقدس ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واقتدت به مائة ألف أو يزيدون .

[1] ورد قوله في « معجم البلدان » 2 / 445 حرف الخاء .
[2] إبراهيم : 24 - 25 .

15