معنى هذا الوفد ، وعن المهمة التي قدم لأجلها ، وقطع بسببها تلك المراحل ، واحتمل في سبيلها ذلك العناء ؟ قال : ( ولعل هذا الوفد إنما جاء مدينة الني ( ص ) حين علم بما بينه وبين اليهود من خلاف ، طمعاً في أن يزيد هذا الخلاف شدة حتى يبلغ العداوة ، فيريح النصرانية المتضامنة في الشام وفي اليمن من دسائس اليهود وعدوان العرب ) . ( صفحة 33 من الطبعة الثانية ) نسأل أهل الفضل عن معنى هذا الكلام لهذا الفاضل المنصف ، وهل يصح هذا الكلام ؟ إذا كان عند يهود الحجاز من الجيش والسلطان ما يهدد قيصر باحتياج سلطانه والإتيان على النصرانية ، وكان عند رسول الله ( ص ) أول العهد بيثرب نظير ذلك من القوة ، فجدير حينئذ بملكيْ نجران ( السيد العاقب وأسقفها أبي حارثة ) أن يؤلفوا وفداً ضخماً كما وصفه ليوقع الخلاف بين هاتين الدولتين العظيمتين رسول الله ( ص ) أول العهد بيثرب ، ويهود الحجاز ، فيريحوا النصرانية كما ذكر ! ! لقد كان رسول الله ( ص ) أول العهد بيثرب أكبر همه إيواء أصحابه الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، وإغاثتهم بما يقوتهم ، وليس عنده من البأس ما يخاف له ويرجى ، وكذلك الحال في يهود الحجاز ، فإنهم إنما حقنوا دماءهم وعاشوا بين العرب بفضل حلفهم للأوس والخزرج ساكني المدنية . فليس لهذا القول وجه صحيح . وكيف يخشى على النصرانية في الشام من أمثال هؤلاء الضعفاء وملكهم قيصر أعظم ملوك الشرق ، أو يخشى على النصرانية في اليمن وملوكها بقايا حِمْير ورُهَم