وكيف حفظوا ما أدلى به المقداد بن عمرو ، وما أدلى به سعد بن معاذ على طوله ؟ ! وهذا ما يدعو إلى سوء الظن بالراوي ، وكأنه أنف أن لا يكون لهما في هذه المذاكرة رأي فألحق ذلك بالرواية ! اما ابن سعد فلم يأت على ذكر أبي بكر وعمر ، ولئن كان ذلك كذلك فهي غفلة من الراوي وجهل بمقامهما ومقام غيرهما من المهاجرين ، فإن سكوتهم عن جوابه لعلمهم بأنه ( ص ) إنما يريد بكلماته الأنصار دونهم ، وهذا ما يقتضيه التمحيص وقد سهى عنه الدكتور ! ! وبعد أن أجمل الغزوة وطوى ما كان فيها من جلائل الأعمال لأعاظم الرجال قال في تمجيدها : ( هذه غزوة بدر التي استقر بها الأمر للمسلمين من بعد في بلاد العرب جميعاً والتي كانت مقدمة وحدة شبه الجزيرة في ظلال الاسلام ، ومقدمة الامپراطورية الاسلامية مترامية الأطراف ، التي أقرت في العالم حضارةً ما تزال ذات أثر عميق في حياته ) . سامح الله الدكتور ورعاه ، فإذا كانت هذه الغزوة بتلك الصفة ، ولها هذا الأثر ، فيكون من أهم الفروض عليه أن يشيد بذكر أبطال هذه الغزوة الذين قامت على سواعدهم ، ونجحت بمغامراتهم وصبرهم واستماتتهم ، ويعرِّف الناس أسماءهم وأقدارهم ، بما أوتيه من بيان ساحر وأسلوب رائع ، مما لا يحسنه غيره . ولو فعل ذلك لوفى بذمة التاريخ ، وأدى التمحيص حقه ، فإن هذا هو الذي يليق بالمؤرخ الباحث والمحصحص ، ويعود على السامع بالخير