ولنترك الحديث ومقدماته وتداعياته ، وهلمّ إلى خطبة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الّتي خطبها وتلك هي آخر خطبة له ، فقد رواها البخاري في صحيحه مبتورة عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال : « خرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في مرضه الّذي مات فيه بملحفة قد عصّب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ( أمّا بعد فإنّ الناس يكثرون ويقلّ الأنصار حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام فمن ولي منكم شيئاً يضرّ فيه قوماً وينفع فيه آخرين ، فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ) ، فكان آخر مجلس جلس به النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) » [1] . وهذه الخطبة لها إضافات قطعها الرواة ، ويهمنا منها قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( أيها الناس سُعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ) ، وهذا منه نذير بشرٍ مستطير سيحيق بالأمة فحذار لهم ثمّ حذار . وقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( وإنّي والله ما تمسكون عليَّ بشيء ، إنّي لم أحلّ إلاّ ما أحل الله - القرآن - ولم أحرّم إلاّ ما حرّم الله - القرآن ) [2] وهذا يوحي أنّ بين الصحابة من كان يتهم الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في تصرفاته ، فهو يقسم لنفي التهمة عن نفسه . فما هي التهمة ؟ ومّن هم أصحابها ؟ ولو بحثنا عنها وعنهم فهل نجد ما يكشف عنها وعنهم ؟ ربّما نجد ما يشير إليها ولو بعد حين في حوار جرى بين عمر وابن عباس بعد ذلك ، فقد قال عمر : « ولقد كان من رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم في أمره - يعني عليّاً - ذرواً من قول ، لا يثبت حجة ولا يقطع عذراً ، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه
[1] صحيح البخاري 4 / 240 . [2] سيرة ابن هشام 4 / 332 ، طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 46 ، وتاريخ الطبري 3 / 196 .