فمن كان بهذه المثابة من الحرص على أن لا يفوته شيء من أقوال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأفعاله ، كيف يفوته سماع الخطبتين وروايتهما بتمامهما ولو عن غيره . أليس هو القائل لسعيد بن جبير وقد سأله عن اختلاف قومه - قريش - في مناسك حجته ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال ابن عباس : إني لأعلم الناس بذلك . ولا مماراة في ذلك حتى شهدت له بذلك بعض أمهات المؤمنين فقالت أم سلمة : هو أعلم بالمناسك ، وقالت عائشة : هو أعلم بالسنّة ، هو أعلم بالمناسك [1] . ثمّ إنّ ما روي عنه من خطبة يوم النحر هو الآخر لم يسلم من مسّ اليد الأثيمة ، فلم يصل إلينا بتمامه ، والفجوات فيه بيّنة ولا نحتاج في إثباتها إلى بيّنة . ألا يكفينا مؤشّراً واضحاً قوله المعترض في وسط الخطبة : « فوالّذي نفسي بيده إنّها لوصيته إلى أمته » . ومن أراد أن يعرف مقدار ما لعبت به رواة السوء من تغيير أو حذف أو إضمار ، فليقارن بين ما روي عنه وبين ما رواه غيره من الصحابة الّذين شهدوا الخطبة فرووها ، ليدرك مدى التفاوت ، وإلى القارئ إشارة عابرة إلى جانب من ذلك . خذ مثلاً حديث الثقلين المستفيض استفاضة تكاد تبلغ حد التواتر ، فإن من موارد ذكره كان في خطبة يوم النحر . وقد روى الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) خطبة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في ذلك اليوم وفيها قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( يا أيها الناس إنّي تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : الأكبر منهما كتاب الله ، والأصغر عترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير عهد إليّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين - أشار