قال عليّ بن إبراهيم : « فهذا معنى قوله تعالى : * ( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) * » [1] . وإلى هنا نوقف متابعة أحاديث ابن عباس عن رحلة العودة من حجة الوداع ( حجة الإسلام ) [2] ، حيث سنقرأ شيئاً منها في حديثه عن بيعة الغدير . والّذي ذكرناه منها يصلح أن نسميه منسكاً يكاد أن يكون متكاملاً لأهمّ أعمال الحجّ من فروض وسنن ، ولا يعني ذلك أنا نلتزم بصحة جميع معانيه ، بل عهدة ما ورد فيه على راويه ، على أنا نشك في سلامة بعض ممّا وصل إلينا من الأحاديث المروية عن ابن عباس في هذا المقام وفي غيره ، وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في حياته العلمية ، حيث سنذكر ما طالت عليه الأيدي الأثيمة وتناولته بالحذف والإضمار . ومن اللافت للنظر حقاً فيما ذكرناه في هذا المقام ، خلّوه عن ذكر خطبتي الرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في عرفة وفي ثاني أيام التشريق . إذ لا يعقل إهمال ابن عباس لهما ، وهو الحريص على متابعة جميع ما كان يصدر عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في حجته تلك من أقوال وأفعال ، حتى ورد عنه روايته عن أخيه الفضل بن العباس ما قاله النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) للناس حين دفعوا من المزدلفة ، إذ لم يكن هو حاضراً ، بل لأنّه قدّمه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مع أغيلمة بني عبد المطلب وضعفة أهله فدفعوا بليل وأوصاهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس . فروى عن أخيه الفضل أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال للناس : عليكم بالسكينة ، وهو كافّ ناقتَه حتى دخل محسّرا - وهو من منى - قال : عليكم بحصى الحذف الّذي يُرمى به الجمرة ، قال : ولم يزل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يلبّي حتى رمى الجمرة .
[1] تفسير علي بن إبراهيم القمي ( تفسير سورة محمّد ) - حديث خطبة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم . [2] السيرة النبوية 4 / 376 .