إنه لا حلَّ لهذا التضارب إلا بتطوير مفهوم حب الذات ، وتوسيع حقل تحقيقها ليشمل الآخرة ، وهذا ما يفعله الدين فيجعل عمل الخير والإيثار تحقيقاً للذات في الآخرة الخالدة . إن نية القربة التي تتسع لخوف العقاب والطمع بالجزاء ، دعوةٌ إلى تحقيق الذات في الآخرة ، وهو أمرٌ مقدس خال من صراعات الدنيا . إن غريزة حب الذات في الإنسان أقوى الغرائز ، ولا يمكن إزالتها ولا حل إلا تطويرها ووضع قانون التعويض والجزاء في مستقبل الإنسان في حياته الثانية ، وبدون ذلك لا يمكن تحريكه لعمل الخير ولا منعه من عمل الشر . قد يقال : إن فطرة الإنسان وعقله تكفيان لدفعه إلى الخير ومنعه من الشر . والجواب : أنه لا يمكن المراهنة على ذلك وإقامة مجتمع عليه ، خاصة وأن نوازع الشر بقدر نوازع الخير : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . وما دام الدافع الذاتي غير مضمون فلا بد من دافع مضمون يعود على صاحبه بالنفع من عمل الخير للآخرين وكف شره عنهم ، وهذا هو قانون الجزاء الإسلامي بالثواب والعقاب .