ومن عجب أن ينكروا على آمنة ، أم محمد ، ما يجوز على سائر الأمهات من البشر ، وكأن ليس من حقها أن تستشرف رؤاها لجنينها ، حفيد المنافين وابن الذبيح المفتدى ، إلى أقصى ما تسعف عليه بيئة يعرف تاريخ العرب عزها وشرفها وعراقتها ، وظروف فريدة حفت بهذا الجنين لم تعرف دنياه لها مثيلا . وإنما الذي يرفضه العقل حقا ، هو أن نجرد ( آمنة ) من بشريتها وأماني أمومتها ، وكل الحوامل قبلها وبعدها عرفن ويعرفن الهواتف والرؤى في فترات الحمل ، وإنما يتفاوت مدى الطموح فيها ، بقدر ما تسعف عليه ظروف كل حامل ، وتحتمله بيئتها وتستشرف إليه آمالها . من نبض حياته في كيانها ، كانت تستمد طاقة الحياة . ومن هواتف البشرى في تأملاتها ورؤاها ، كانت تجد ما يؤنس وحشتها ويهون عليها تجربة الحمل الأولى . حتى إذا أوشك حملها أن يتم أجله ، روعت كما روعت الجزيرة كلها ، بغزو ( أبرهة الحبشي ) لام القرى ، يريد أن يصرف عنها حج العرب ، إلى كنيسة بناها في ( صنعاء ) وجلب إليها ( الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب ، من بقايا قصر بلقيس ، وكان على فراسخ من موضع الكنيسة ، وفيه البقايا من آثار مملكة سبأ . ونصب أبرهة الأشرم في كنيسته صلبانا من الذهب والفضة ،