ثم هي قبل هذا كله ، سيدة من صميم البيت القرشي الذي يحظى بالسيادة في أم القرى ، وينفرد بشرف الوظائف الدينية الكبرى في مثابة حج العرب ومهوى أفئدتهم . ومن شأن النساء في هذه البيئة أن يرجون للأجنة في بطونهن ، مجدا لم يكن لاحد من قبل . وعلى مدى شهور الحمل ، لم تغب عن آمنة رؤاها فيما سيكون لابن عبد الله من شأن عظيم ، ولم تتخل عنها هواتف البشرى بأمومتها لهذا اليتيم الهاشمي الذي لم يزل ينتقل من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا ، وتلقى ميراث آبائه الهاشميين وأخواله الزهريين ، واجتمع له عز المنافين ( عبد مناف بن قصي ) جده الثالث لأبيه ، و ( عبد مناف بن زهرة بن كلاب ) جد أمه . [1] وكتاب السيرة النبوية ومؤرخو الاسلام الأولون ، ينقلون أخبار تلك الهواتف والرؤى عمن لا يتهمون من الأخباريين والرواة . وقد يشكك فيها بعض المحدثين ، وقد يرفضها آخرون منهم رفضا باتا ، فلا نجاول هؤلاء ولا هؤلاء ، إلا أن يتكلموا باسم العصرية والعلم فيعدوها من ( الخرافات التي لا يقبلها عقل ) كما قال ( بودلي ) في كتابه ( الرسول ) [2] .
[1] نسب قريش : 14 ، وجمهرة أنساب العرب : 12 ذخائر . [2] ص 25 من الترجمة العربية للسحار . وقد ناقشت هذه القضية بمزيد تفصيل في الفصل الخامس من كتابي ( أم النبي ) ط دار الهلال بالقاهرة .