خفقة حياة جديدة في أعماقها ، فأشرق وجهها بنور الالهام ، وكأنها عرفت سر الذي كان : إن عبد الله لم يفتد من الذبح عبثا . كانت مهلة ، ما بين فدائه وموته ، أودع فيها عروسه آمنة هذا الجنين الذي تحس نبض حياته في رحمها ، والذي من أجله يجب أن تتجلد وتعيش . ومن تلك اللحظة ، أنزل الله سكينته عليها فطوت حزنها وشجنها ، وبدأت تفكر في هذا الجنين الذي يعطي حادث الفداء تفسيره ومنطقه ، ويجعل لوجودها بعد عبد الله ، قيمة ومعنى . مضت فترة الحمل والجزيرة العربية تموج بإرهاصات عن نبي منتظر حان زمانه ، وما أرتاب في أن آمنة ألقت إليها كل سمعها وفكرها ، فما نسيت قط أن زوجها هو الذي استأثر من دون بني عبد المطلب ، صفوة العرب العدنانية ، بمجد الفداء الذي لم يتكرر منذ افتدي جدهم الاعلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل . وفى سمعها كذلك ، صدى لم يغب من حكاية النساء اللائي عرضن أنفسهن على عبد الله يوم فدائه - وفيهن الكاهنة من خثعم ، وأخت ورقة الذي قرأ الكتب وبشر بنبي منتظر - وكلامهن عن النور الذي انتقل من عبد الله إثر زواجه ، والغرة التي ذهبت بها بنت وهب فلم تدع لغيرها من النساء في عبد الله مأربا .