ثم كانت هناك جبهة ثالثة من المنافقين الذين ابتلي بهم الاسلام في دار هجرته ، ولقي المصطفى صلى الله عليه وسلم من عنتهم ونفاقهم وتخاذلهم ، أشد مما لقي من طواغيت المشركين . وكان رأس المنافقين في المدينة : عبد الله بن أبي بن سلول ، مولى يهود وحليف الشيطان . ذلك هو منطق الهجرة : بذلا واحتمالا واستبسالا ، وتحركا إلى موقع جديد خاض فيه المسلمون معركتهم في الجبهات الثلاث ، جهادا بالنفس والمال ، حتى جاء نصر الله والفتح . استحدثت ( يثرب ) بهجرة المصطفى إليها ، اسما إسلاميا جديدا هو ( المدينة المنورة ) : مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام . وكان وصوله إليها قبيل الظهر من يوم الاثنين ، وقد مضت اثنتا عشرة ليلة من ربيع الأول ، في السنة الثالثة عشرة للمبعث . وأقام في ( قباء ) بظاهر المدينة ، في بني عمرو بن عوف ، أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، أسس فيها بقباء أول مسجد في الاسلام . ثم ركب ناقته ( القصواء ) يوم الجمعة ، وسط حشد من المهاجرين والأنصار ، فأدركته صلاة الجمعة في حي بني عوف بن سالم ، فصلى بالصحابة أول جمعة بالمدينة المنورة . وأرخى العنان لناقته وهي تشق أمواج الزحام ، ولم يدر أحد يومها أين يكون منزل المصطفى ، وكل بيوت المدينة مفتوحة له ترحب به ،