بكل عتوها وجبروتها أن تنال من دعوة أذلت كبرياءها وسفهت أحلامها وحقرت آلهتها ؟ . أو كانت بحيث تأمن على وجودها الجاهلي ودينها الموروث ، وهذا النبي المهاجر قد أخذ موقعه الجديد في عاصمة الشمال ، يهدد طريقها التجارية إلى الشام ، مصمما على أن ينسخ برسالته دين قومه ويدك صروح وثنيتهم ، ومعه رجال مؤمنون قد باعوا الدنيا بالآخرة ، فهم يرون الموت في سبيل عقيدتهم شهادة وحياة وانتصارا ؟ هيهات هيهات . ولو ترك القطا ليلا لنام ! على أن هذه الجبهة لم تكن أخطر ولا أضرى من جبهة ثانية كانت تنتظر الاسلام في دار هجرته . يهود كانوا هناك ، يرصدون مجرى الاحداث في ذعر وقلق : لقد لبثوا طوال العهد المكي يتعلقون بالأمل في أن ينهك الصراع أهل مكة ، مسلمين ومشركين ، فيخلو ليهود الطريق إلى أم القرى ، وفيها أسواق العرب التجارية الكبرى : عكاظ ومجنة وذو المجاز . لكن بيعة العقبة الكبرى خيبت هذا الرجاء ، كما خيبت الهجرة أملهم في أن يبقى الاسلام محصورا في البلد العتيق ، بعيدا عن شمال الحجاز . ولم يبق لهم إلا أن يتربصوا بالاسلام ويكيدوا له ، بكل ما وسعهم من خبث وشر ودهاء .