وما تجنبت الصدام المسلح مع الاسلام في مكة ، إلا رعاية لما للبلد العتيق من حرمة جعلته معبد القبائل العربية ومركز مواسمها التجارية . كان في حسابها أن تواجه الخطر بالمفاوضة والمساومة ، ثم بالالحاح في إيذاء المسلمين وتعذيب المستضعفين منهم ، وتحذير كل وافد إلى مكة في الموسم ، من الاصغاء إلى ما يتلو محمد - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الاسلام . ثم كان الحصار المنهك وسيلة أخرى من وسائلهم في مقاومة الدعوة ، والترصد لمن يحاول الهجرة من المسلمين ، ومطاردتهم حيثما ذهبوا . حتى كان عام الحزن ، إيذانا بحتمية التماس منفذ من الأسوار التي سدت الطريق . أحس المصطفى بموت زوجه السيدة خديجة وعمه أبي طالب ، فراغ مكانهما في دنياه ، إحساسا شديد الوطأة ، حتى لتقول إحدى الصحابيات ( خولة بنت حكيم السلمية ) : ( يا رسول الله ، كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة ) . وثقل عليه شعور بالغربة ، في بلده وبين أهله وعشيرته . لكن بيعة العقبة الكبرى هي التي وجهت مؤشر الاحداث نحو يثرب . دون أن تنأى بمكة عن مكانها في مركز الثقل لمصير التحول . احتشدت يثرب في انتظار المهاجر العظيم الذي لم يكن هناك أدنى