القرشية لم يبدأ إلا بعد الهجرة ، وبدأ معه في الوقت نفسه ، نضال شاق بالغ الصعوبة والحرج ، مع عصابات يهود التي تصدت للاسلام بعد الهجرة ، بكل ما تملك من أسلحة خبيثة مسمومة . والذي تعرفه السيرة النبوية ، أن النبي والذين آمنوا معه من المهاجرين والأنصار ، واجهوا مع الهجرة مرحلة خطرة معقدة ، كان عليهم فيها أن يخوضوا حربا في أكثر من جبهة ، وأن يستبسلوا في الجهاد تحت لواء عقيدتهم من حيث يأتيها الخطر : من مواقع مكشوفة سافرة ، وأخرى خفية ماكرة . والتحول التاريخي لموقع المعركة ، لا يمكن فهمه على الوجه الشائع الذي يحسب أن الهجرة عزلت مكة عن مسرح الاحداث ، بل تظل مكة في صميم الصراع الدائر مهما ينتقل موقعه إلى شمال الحجاز . ويظل البيت العتيق مهوى أفئدة المهاجرين والأنصار في دار الهجرة ، كما كان مثابة حج العرب من قديم العصور والآباد . وفى مكة كان مهد المصطفى ومبعثه . وفيها مستقر الوثنية العربية من قديم موغل في القدم . ولم تكن الأرستقراطية القرشية التي ورثت وظائف الشرف الدينية في أم القرى وحققت بها نفوذها وسلطانها ، مستعدة لان تتخلى عن نضالها للابقاء على الأوضاع الموروثة والأعراف الراسخة ، والدفاع عن دين الأسلاف .