وفجأة ، بغتتها لطمة فاحشة على خدها ، من يد أبي جهل ، طرحت قرطها . وانصرف بمن معه ، يتهددون ويتوعدون . ومضت أيام وليال لم يكن لمكة فيها شاغل ، غير تلك المطاردة العنيفة ، تعدو فيها قريش وراء مهاجر أعزل إلا من إيمانه . وتضاربت الانباء في الطريق التي أخذها - ، حتى جاء الخبر من يثرب أن النبي عليه الصلاة والسلام بلغ دار هجرته آمنا . ووعت أذن الزمان ما لا نزال نردده في كل عيد للهجرة ، من هتاف المدينة ترحيبا بالمهاجر العظيم ، وما وجد في دار هجرته من مأمن ونصر . . وفي واقع التاريخ أن الهجرة لم تنه الجولة الفاصلة بين الاسلام والذين تصدوا له بالعداوة والكيد والحرب . وإنما كانت بداية لهذه الجولة الفاصلة ، بقدر ما كانت أثرا لما سبقها من أحداث ، وتحركا إلى موقع جديد ، بعد جولة مريرة وطويلة ، في البلد العتيق . فإذا كان في الناس من يتصورون أن منافذ الخطر قد سدت بمجرد انتقال المصطفى من دار مبعثه ، وأن الاسلام صار بمأمن من كيد أعدائه بمجرد أن تلقاه الأنصار في دار هجرته ، فالذي يعرفه الواقع التاريخي أن الصدام المسلح بين الاسلام والوثنية