( لا تحزن إن الله معنا ) . وفى هدأة المساء من الليلة الثالثة لمقامهما في الغار ، جاء الدليل يسوق الراحلتين حذرا ، فأناخ قريبا من فتحته . وخرج المصطفى وصاحبه . وجاءت أسماء بنت أبي بكر بطعام لهما ، فلما أعوزها عصام تشد به الزاد إلى الرحل ، حلت نطاقها فشقته نصفين ، علقت الزاد بأحدهما وانتطقت بالشق الآخر . وسرى الركب في تلك الليلة التاريخية ، آخذا طريق الجنوب من أسفل مكة ، وكان غير مطروق . وودعتهما ( أسماء ) ذات النطاقين ، ثم تلبثت تتبعهما بصرها وقلبها حتى أبعدا ، فعادت إلى بيت أبيها مستخفية حذرة ، وهي توجس خيفة من المطاردين . ولم تمض لحظات حتى فوجئت بطرقات عنيفة تلح على باب الدار ، وإذا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، يسألونها في غلظة : ( أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ ) أجابت : ( لا أدري والله أين أبي ) . وما كذبت ، فقد كان آخر عهدها بأبيها مع المصطفى عليه الصلاة والسلام ، منطلقين من الغار إلى حيث لا تدري أين بلغ بهما المسرى في مجاهل الفلاة .