خبيرا بمجاهل الطريق ، فدفع إليه براحلتين يرعاهما لميعاد موقوت . ودعا المصطفى ابن عمه ( علي بن أبي طالب ) فاستخلفه بمكة ليؤدي عنه ودائع كانت للناس . ثم لما حانت ساعة الرحيل ، وقف صلى الله عليه وسلم على مرتفع هناك ببيت صاحبه ، فرنا إلى البيت العتيق طويلا ، ثم أشرف على أم القرى فاستوعبها بنظرة حزينة وقال مودعا : ( والله إنك لأحب أرض الله إلى الله ، وإنك لأحب أرض الله إلي . ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت ) . وتسلل الصاحبان من خوخة في ظهر الدار ، فأخذا طريقهما إلى غار يعرفانه في جبل ثور بأسفل مكة ، فأقاما فيه ينتظران ما يكون من أصداء الرحيل . وجاء اليوم التالي يحمل إليهما في الغار ، الانباء عن خروج نفر من طواغيت قريش لمطاردة المصطفى عليه الصلاة والسلام . وفى الخبر أنهم بلغوا غار ثور فتلبثوا عنده وهموا بأن يدخلوه ، لولا أن صدهم عنه نسيج عنكبوت على مدخله ، وحمامتان وحشيتان وقعتا عليه [1] . قال الصديق للمصطفى : ( لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لرآنا ) . فكان جوابه ، صلى الله عليه وسلم :
[1] تفصيل الهجرة ، في الجزء الثاني من : السيرة لابن هشام ، وطبقات ابن سعد ، وتاريخ الطبري .