فهذه أمور مرتبطة بالشؤون الربوبية ، واستصلاح حال العباد ، وما تقتضيه الحكمة الإلهية ، وهو العالم بها وبمواردها ، وهو الحكيم العليم الفياض الوهاب الجواد الذي لا يبخل ، ولا ينفد خزائنه ، ولا يمنع فيضه عمن له أهلية ذلك . ألا ترى اختلاف الناس في الاستعدادات والقوى النفسانية و الجسمانية ؟ فالله تعالى أعطى من أعطاه من قوة الدرك والشعور بحكمته ، ولأنه أهل لقبول عطيته وأخذ موهبته ، ولم يحرم من لم يعطه ذلك ، ولم يبخس حقه ، بل أعطاه بقدر استعداده وظرفيته . ونعم ما قاله الشاعر بالفارسية : آنكه هفت إقليم عالم را نهاد * هر كسى را آنچه لايق بود داد گربر يزى آب را در كوزه أي * چند گنجد قسمت يكروز أي آب كم جوتشنگى آور بدست * تا بجوشد آبت از بالا وپست ثم إن بعض أهل الأهواء ، والمغترين بالثقافة الغربية ، ومن حذا حذوهم ممن نعتوا أنفسهم بالثقافة والتنور الفكري - وما هم بذلك - ، زعم أن الإرادة لو كانت تشريعية ، - ليكون أهل العصمة وغيرهم سواء - لكان اجتنابهم عن المعاصي والقبائح بالاختيار أدل على فضيلتهم وكمال نفوسهم من اجتنابهم عن المعصية بصفة انهم معصومون ، وان الله أراد عصمتهم عن المعاصي . وبهذا البيان المزخرف أراد نفي دلالة آية التطهير على عصمتهم ، وإنكارها من الأصل . والجواب عن هذا الزعم الفاسد انه لا ملازمة بين العصمة وعدم الاختيار ، ولا منافاة بينها وبين الاختيار ، فإن الإرادة الحتمية والتكوينية تارة تتعلق بفعله وما يصدر عنه بلا واسطة أمر بينه وبين المراد ، وبعبارة أخرى تتعلق بوقوع أمر بدون واسطة أمر آخر ، سواء كان في خارج عالم