العراقيون . . يجهلون علياً « عليه السلام » : وبعد . . فإن جهل الناس وخصوصاً العراقيين بعلي « عليه السلام » ، وبمزاياه وفضائله ، وجهاده ، وبأقوال النبي « صلى الله عليه وآله » فيه قد كان من أهم أسباب عدم الانقياد له ، حيث كان يراه الناس رجلاً عادياً كسائر من عرفوه من رجال الحكم والسياسة ، فهو عندهم يخطئ ويصيب ، ويحب ويبغض ، ويعدل ويظلم ، ويحسد ويحقد ، ويطيع ويعصي ، فلم تكن له تلك القدسية في نفوسهم ، ولا كانوا يثقون به ثقة مطلقة ، تخولهم اتباعه فيما أحبوا وكرهوا . وقد كانت سياسة الذين سبقوه هي محو ذكره « عليه السلام » ، وطمس مزاياه وفضائله ، ولم تكن معه إلا ثلة قليلة من العارفين به ، والمعتقدين بإمامته سرعان ما التهمتهم الحروب الضارية ، وقد كان « عليه السلام » يتلهف عليهم ، ويتأسف على فقدهم ، فهو يقول : « أوّه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه ، وتدبروا الفرض فأقاموه ، أحيوا السنة ، وأماتوا البدعة ، دعوا للجهاد ، فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتبعوه » [1] . وحول محاولات خصومه « عليه السلام » محو ذكره ، وإذهاب صوته وصيته ، نجد المعتزلي الحنفي يقول : « وهذا يدلك على أن علياً « عليه السلام » اجتهدت قريش كلها ، من مبدأ الأمر في إخماد ذكره ، وستر فضائله ، وتغطية خصائصه ، حتى محي فضله ومرتبته من صدور الناس كافة إلا قليلاً منهم » [2] .
[1] نهج البلاغة شرح محمد عبده خطبة رقم 177 مطبعة الاستقامة . [2] شرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 18 .